أنواع شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيام
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- :(
(لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم
القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا)).
ومما يدل على رحمته -صلى الله عليه وسلم- وشفقته بأمته هذا الحديث، ومعناه: أن
كل نبي له دعوة لأمته متيقنة الإجابة، وهو على يقين من إجابتها، وأما باقي
دعواتهم فهم على طمع من إجابتها، وبعضها يجاب وبعضها لا يجاب. وقد دعا كل
نبي لأمته في الدنيا، وادّخر النبي- صلى الله عليه وسلم- دعوته لأمته إلى
أهم أوقات حاجاتهم وهو يوم القيامة:
{يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم} الشعراء:88-89.
{يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} عبس:34-37.
{يوم يقوم الناس لرب العالمين} المطففين:6.
عن المقداد بن الأسود- رضي لله عنه - قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول:
((إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أو ميلين
فتصهرهم الشمس، فيكونون في العرق كقدر أعمالهم، منهم من يأخذه العرق إلى
عقبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حقويه، ومنهم من
يلجمه العرق إلجاما)).
فيقول: بعض الناس لبعض: ائتوا آدم. فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر،
خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك.
فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك،
ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم: إن ربي قد
غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وذكر كذباته، نفسي
نفسي !! اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى فيقولون: يا موسى
أنت رسول الله، فضّلك الله برسالاته وبتكليمه على الناس، اشفع لنا إلى ربك
ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى: إن ربي قد
غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفسا لم
أومر بقتلها، نفسي نفسي!! اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى
أنت رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وقد كلمت الناس في المهد
اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم
عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله،
ولم يذكر ذنبا، نفسي نفسي !! اذهبوا إلى غير اذهبوا إلى محمد.
هذه الشفاعة العامة التي خص بها نبينا - صلى الله عليه وسلم - من بين سائر الأنبياء هي المراد بقوله:
((وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة)).
وقوله : ((يا رب أمتي أمتي)) فيه اهتمام بأمر أمته، وإظهار محبته لهم، وشفقته عليهم.
وقد قال فيهم : ((يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب)).
قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال:
((هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون)).
وهكذا تضمن حديث الشفاعة نوعين من أنواع شفاعته :
2- شفاعته في جماعة من أمته أن يدخلوا الجنة بغير حساب.
4- شفاعته في أقوام قد أمر بهم إلى النار أن لا يدخلوها.
6- شفاعته أن يؤذن لجميع المؤمنين في دخول الجنة.
وقد تواترت الأحاديث بهذا النوع، وأن هذه الشفاعة تتكرر أربع مرات، في كل مرة
يحد الله له حدا فيخرجهم من النار، ثم يجئ الرابعة فيقول:
((يارب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله. فيقول الرب سبحانه: ليست هذه لك، ثم
يقول: وعزتي وجلالي، وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله)).
8- شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في عمه أبي طالب أن يخفف عنه العذاب بما قدّم في الدنيا لدين الله ورسوله.
وقد أخبر – صلى الله عليه وسلم - أن أبا طالب في هذا الضحضاح يغلي منه دماغه،
يرى أنه أشد أهل النار عذابا، وهو أهونهم عذابا.
هذه هي أنواع الشفاعات الكائنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة.
أما قوله في الحديث:
((فهي نائلة إن شاء الله من أمتي من مات لا يشرك بالله شيئا)).
فقوله: ((إن شاء الله)) إنما قاله على جهة التبرك والامتثال لقوله تعالى:
{ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} الكهف:23-24 .
وقوله: ((فهي نائلة إن شاء الله من أمتي من مات لا يشرك بالله شيئا))
فيه دلالة لمذهب أهل الحق أن كل من مات غير مشرك لا يخلّد في النار وإن كان مصراً على الكبائر.
وفيه إشارة لوسيلة من الوسائل التي تدرك بها الشفاعة ،
وهي: أن لا يشرك بالله شيئا، فمن أراد أن تناله هذه الشفاعة
فليلق الله لا يشرك به شيئا، فإن من
مات يشرك بالله شيئا لا تنفعهم شفاعة الشافعين.
وهناك وسائل أخرى منها:
1- الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -
عشرا في الصباح وعشرا في المساء، لقوله :
((من صلى عليّ عشرا إذا أصبح وعشرا إذا أمسى حلت له شفاعتي)).
- سؤال الله للنبي - صلى الله عليه وسلم - الوسيلة بعد الأذان، لقوله :
((إذاسمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي،
فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا،
ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله،
وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلّت له الشفاعة)).
وعن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال:
((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة،
والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة،
وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة)).
نسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يشفع فينا نبيه .